سورة الرعد - تفسير تفسير القرطبي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الرعد)


        


{المر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ (1)}
قوله تعالى: {المر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ} تقدم القول فيها. {وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ} يعني وهذا القرآن الذي أنزل إليك. {مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ} لا كما يقول المشركون: إنك تأتي به من تلقاء نفسك، فاعتصم به، وأعمل بما فيه. قال مقاتل: نزلت حين قال المشركون: إن محمدا أتى بالقرآن من تلقاء نفسه. {وَالَّذِي} في موضع رفع عطفا على {آياتُ} أو على الابتداء، و{الْحَقُّ} خبره، ويجوز أن يكون موضعه جرا على تقدير: وآيات الذي أنزل إليك، وارتفاع {الْحَقُّ} على هذا على إضمار مبتدأ، تقديره: ذلك الحق، كقوله تعالى: {وَهُمْ يَعْلَمُونَ. الْحَقُّ} [البقرة: 146- 147] يعني ذلك الحق. قال الفراء: وإن شئت جعلت {الَّذِي} خفضا نعتا للكتاب، وإن كانت فيه الواو كما يقال: أتانا هذا الكتاب عن أبي حفص والفاروق، ومنه قول الشاعر:
إلى الملك القرم وابن الهمام *** وليث الكتيبة في المزدحم
يريد: إلى الملك القرم بن الهمام، ليث الكتيبة. {وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ}.


{اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ (2)}
قوله تعالى: {اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها} الآية. لما بين تعالى أن القرآن حق، بين أن من أنزله قادر على الكمال، فانظروا في مصنوعاته لتعرفوا كمال قدرته، وقد تقدم هذا المعنى.
وفي قوله: {بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها} قولان: أحدهما- أنها مرفوعة بغير عمد ترونها، قاله قتادة وإياس بن معاوية وغيرهما.
الثاني- لها عمد، ولكنا لا نراه، قال ابن عباس: لها عمد على جبل قاف، ويمكن أن يقال على هذا القول: العمد قدرته التي يمسك بها السماوات والأرض، وهي غير مرئية لنا، ذكره الزجاج.
وقال ابن عباس أيضا: هي توحيد المؤمن. أعمدت السماء حين كادت تنفطر من كفر الكافر، ذكره الغزنوي. والعمد جمع عمود، قال النابغة:
وخيس الجن إني قد أذنت لهم *** يبنون تدمر بالصفاح والعمد
{ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ} تقدم الكلام فيه. {وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ} أي ذللهما لمنافع خلقه ومصالح عباده، وكل مخلوق مذلل للخالق. {كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى}أي إلى وقت معلوم، وهو فناء الدنيا، وقيام الساعة التي عندها تكور الشمس، ويخسف القمر، وتنكدر النجوم، وتنتثر الكواكب.
وقال ابن عباس: أراد بالأجل المسمى درجاتهما ومنازلها التي ينتهيان إليها لا يجاوز انها.
وقيل: معنى الأجل المسمى أن القمر يقطع فلكه في شهر، والشمس في سنة. {يُدَبِّرُ الْأَمْرَ} أي يصرفه على ما يريد. {يُفَصِّلُ الْآياتِ} أي يبينها أي من قدر على هذه الأشياء يقدر على الإعادة، ولهذا قال: {لَعَلَّكُمْ بِلِقاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ}.


{وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ وَأَنْهاراً وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ جَعَلَ فِيها زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (3)}
قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ} لما بين آيات السماوات بين آيات الأرض، أي بسط الأرض طولا وعرضا. {وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ} أي جبالا ثوابت، واحدها راسية، لأن الأرض ترسو بها، أي تثبت، والإرساء الثبوت، قال عنترة:
فصبرت عارفة لذلك حرة *** ترسوا إذا نفس الجبان تطلع
وقال جميل:
أحبها والذي أرسى قواعده *** حبا إذا ظهرت آياته بطنا
وقال ابن عباس وعطاء: أول جبل وضع على الأرض أبو قبيس. مسألة: في هذه الآية رد على من زعم أن الأرض كالكرة، ورد على من زعم أن الأرض تهوي أبوابها عليها، وزعم ابن الراوندي أن تحت الأرض جسما صعادا كالريح الصعادة، وهي منحدرة فاعتدل الهاوي والصعادي في الجرم والقوة فتوافقا. وزعم آخرون أن الأرض مركب من جسمين، أحدهما منحدر، والآخر مصعد، فاعتدلا، فلذلك وقفت. والذي عليه المسلمون واهل الكتاب القول بوقوف الأرض وسكونها ومدها، وأن حركتها إنما تكون في العادة بزلزلة تصيبها. وقوله تعالى: {وَأَنْهاراً} أي مياها جارية في الأرض، فيها منافع الخلق. {وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ جَعَلَ فِيها زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ} بمعنى صنفين. قال أبو عبيدة: الزوج واحد، ويكون اثنين. الفراء: يعني بالزوجين هاهنا الذكر والأنثى، وهذا خلاف النص.
وقيل: معنى {زَوْجَيْنِ} نوعان، كالحلو والحامض، والرطب واليابس، والأبيض والأسود، والصغير والكبير. {إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ} أي دلالات وعلامات {لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8